((جمعة إنقاذ الجمعة))

ديما علم

منذ كنا أطفالا -خاصة عندما كانت العطلة الأسبوعية يوما واحدا في الاسبوع، وهو أمر قد لا يذكره ولا يعيه كثير من أطفال وشباب اليوم- مذ ذاك الحين ويوم الجمعة هو أجمل الأيام، حيث الراحة بعد عناء الاسبوع، وهدوء الشوارع والأحياء، واجتماع كل أفراد الأسرة حول مائدة الافطار والغداء، والانطلاق في الجولات والرحلات والتبضع وزيارة معالم المدينة، او تبادل الزيارات مع الأهل والاصدقاء، بل وكان يوما مميزا أكثر في أي بيت كان رب أسرته عسكريا وما أكثرها من بيوت في الأردن.. فالجمعة هو اليوم الذي غالبا ترتاح فيه الزوجة والأطفال إلى أنهم سيتمكنون من قضاء يوم مع أبيهم بلا طوارئ ولا منغصات.
هذا حتى شرفنا شبح الربيع العربي بظله الثقيل.. وإذا بيوم الجمعة المبارك الرائق الدافئ ينقلب نارا ورمادا، فتغيرت النظرة كليا إلى هذا اليوم.. لقد أصبح يوم توتر وقلق وخوف وتعطل للحياة، حتى أن البعض أصبح يتمنى لو أنه لا يأتي. فالجميع في حالة خوف وذعر على مصائر أبناء الوطن سواء من رجال الأمن أو حتى المتظاهرين. الجميع في حالة تأهب حول الشاشات، وكلنا أمل أن يمر يوم الجمعة بسلام وبأقل الخسائر، بعد أن كان اليوم الذي لا نطيق صبرا حتى يأتي ثم نتمنى ألا ينتهي.. أما الآن فلا يكاد ينتهي إلا وقد نفد الصبر ونفدت الطاقة، وأصبنا بإرهاق أكبر من إرهاق أيام العمل.. حقيقة لقد أصبحنا شعبا بلا يوم عطلة!!
أما الأنكى فهو التسابق على تسمية هذا اليوم بمسميات وألقاب جديدة وغريبة حتى أصبح الأمر فنا وشأنا قائما بذاته. فأصبح اسم يوم الجمعة يوم الله المعظم المبارك وعيد إخوتنا المسلمين غير كاف عند البعض.. فلا بد أن يتبعه وصف رنان، كجمعة الكرامة، وجمعة اسقاط وادي عربة، وجمعة الحرية، وجمعة الإرادة، وجمعة انقاذ وطن وهلم جرا..
بل اصبح التفنن في تسمية وتلقيب يوم الجمعة اهم من المضمون الذي لأجله اخترع الاسم وقامت التظاهرة، فمن يراقب التظاهرات ايام الجمع يرى تكرر نفس الشعارات ونفس الهتافات، ناهيك عن تكرر نفس الوجوه بلا زيادة أو نقصان. فأصبح لا يميز أي تظاهرة عن سابقتها أو لاحقتها إلا العنوان.. فهو بالنسبة لهم أمر مصيري بل أجزم أن هو الغاية والهدف حتى لو كان مربكا ومستفزا للشعب، فالمهم ان يكون جاذبا للصحافة، رنانا على ألسن مذيعي فضائيات الكذب والتهويل، ليكون على الصفحات الأولى ويأخذ حيزا من نشرات الاخبار.. فتكون النتيجة أن الاسم والعنوان في واد والشعارات في واد آخر تماما.
بصراحة انتظر بفارغ الصبر ان تنتهي موضة المسميات، وفورة التظاهرات، وتسقط كل الصفات ليعود يوم جمعتنا المبارك الهادئ الرائق فيطل علينا بما عهدناه منه من هدوئه وجماله ونقائه, حتى لو اضطررنا إلى أن نخرج في (جمعة انقاذ الجمعة) لتكون مبادرة حسن نية من الجميع وهدية للوطن في عامه الجديد.. صدقوني أحن إلى يوم الجمعة.. أفلا تحنون؟

8 Comments

Filed under All Articles, December, 2012

8 responses to “((جمعة إنقاذ الجمعة))

  1. ان شاء الله سيعود يوم الجمعة كما كان..
    وما نراه مجرد موضة وتقليد ليوم الجمعة عند جيراننا من بعض الدول..
    ويا ليت الناس تعرف انه لا يوجد ربيع لونه احمر كما حدث في تونس..
    انسان يعصي الله و يقتل نفسه ..من اجل ماذا؟!!
    لي طلب خاص: يا ليت استاذه ديما تكتبي عن ما يشاهد في التلفاز.
    هؤلاء اناس يعانون امراضا نفسيه و افكار سقيمة و يخرجونها لنا في عمل درامي
    ويشاهده اطفالنا و غيرهم..
    ولقد شاهدت بعيني ما لم استطع ان اطيق من مشاهد عقوق الوالدين و القسوة وقطع الارحام و الخ..
    ولولا معرفتي ان لك قراء لما طلبت منك..
    مع جزيل الشكر 🙂

    • كل الشكر لك وكل الاحترام نعم اتفق معك وساحاول ان اكتب عن هذا الموضوع لانه مؤذي ومؤثر شكرا جزيلا

  2. Amani Al Dabbas

    Amazing article Deema ! As if you know exactly what my thoughts are I don’t have anything else to say kafeeti w wafeeti , allah ye7mee hal balad

  3. Anonymous

    كلام جيد .. بدنا مقال منك ملخص لاحداث هذا العام الكئيب بمجمله … خلونا نجهز هاشتاق من الاسبوع القادم يكون اردني بامتياز نتحدث فيه عن اهم احداث هذا العام ويشارك فيه الجميع شو رايك بهذه الفكره وكما قلت يشارك فيه الجميع ديمه وبدون مشاكل بس نحكي عن اهم الاحداث ونطرح حلول اللي بقدر طبعا

  4. كلام في الصميم وتحليل رائع, السؤال هنا هل الحراكات التي بدأت منذ سنتين حققت مطالبها ام لا وشكراً

    • اشكرك محمد. لكن برايي المتواضع الحراكات مشتتة في المطالب والاهداف وهذا يجعلها دائما غير راضية ناهيك عن فقدانها للشعبية بعد ارتفاع الاسقف لان الشعب واعي ولا يريد الفوضى.